عندما خلق الله الإنسان فطره على أن يكون مخلوقاً يعتبر ويتعظ ويتأثر بما يرى بالعين واقعاً حياً أمامه أكثر مما يسمع ويقرأ.. وجرت هذه السنة والفطرة على أنبيائه فسأل بعضهم ربه ما يجسِّد هذه الفطرة مما أخبرنا به وقصه علينا القرآن الكريم. فهذا سيدنا نبي الله موسى من اولي العزم من الرسل يقص القرآن على لسانه "قال رب أرني أنظر إليك"، وهذا أبو الأنبياء وامام الناس سيدنا إبراهيم الذي وفىَّ "قال ربي أرني كيف تحيي الموتى قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى... ولكن ليطمئن قلبي".
وتجسدت هذه الفطرة على لسان أقوام طالبوا أنبياءهم بآيات مرئية يشاهدونها بأم أعينهم قبل أن يؤمنوا "إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء"، وبذلك اقتضت حكمة الله أن توافق وسيلة تبليغ الرسالات هذه الفطرة وهو سبحانه اعلم بما خلق فبعث الأنبياء والرسل من البشر يشتركون مع من يدعون إلى الله بخصائصهم وصفاتهم البشرية ليكونوا بذلك القدوة والمثل الناطق المتحرك العامل الذي يريهم تطبيقاً وعملاً على أرض الواقع لصورة البشرية الكاملة تدب وتمشي على الأرض "وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها".
وجاء خاتم الأنبياء والمرسلين سيد البشرية أجمعين سيدنا محمد ليُقدم الصورة الكاملة للبشرية جمعاء إلى قيام الساعة.
فكان صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض، وجاء القرآن يزكيه "وانك لعلى خلق عظيم"، كما قالت أم المؤمنين عائشة: "كان خلقه القرآن". فكان بمثابة المرجع للإنسانية والمعجم المترجم للمعاني العالية السماوية بلغة الأرض الترابية.
وليس أجمل ولا أدق من وصف الرافعي لهذا في مقال بعنوان "الاشراق .. وفلسفة الاسلام" (ويجيء النبي فتجيء الحقيقة الإلهية معه في مثل بلاغة الفن البياني، لتكون أقوى أثراً، وأيسر فهماً، وأبدع تمثيلاً، وليس عليها خلاف من الحِس. وهذا هو الأسلوب الذي يجعل إنساناً واحداً فَنَّ الناس جميعاً، كما تكون البلاغة فنَّ لغة بأكملها، هو الشخص المفسِّر إذا تعسَّف الناس الحياة لا يدرون أين يؤمون منها، ولا كيف يتهدَّون فيها، فتضطرب الملايين من البشرية اضطرابها فيما تنقبض عنه وتتهالك فيه من أطماع الدنيا، ثم يُخْلَقُ رجل واحد ليكون هو التفسير لما مضى وما يأتي، فتظهر به حقائق الآداب العالية في قالب من الإنسان العامل المرئي، أبلغ مما تظهر في قصةٍ متكلمة مروية.
وما الشهادة للنبوة إلا أن تكون نفس النبي أبلغ نفوس قومه، حتى لَهُوَ في طباعه وشمائله طبيعة قائمة وحدها، كأنها الوضع النفساني الدقيق الذي يُنْصَبُ لتصحيح الوضع المغلوط للبشرية في عالم المادة وتنازع البقاء. وكأن الحقيقة السامية في هذا النبي تُنادي الناس: أن قَابلوا على هذا الأصيل وصححوا ما اعترى أنفسكم من غلط الحياة وتحريف الإنسانية) انتهى
وحتى لا ينقطع هذا النوع من الدعوة الفعَّالة المنسجمة والمتوافقة مع الفطره التي خلق الله بها الإنسان استمرت المسيرة فحملها اصحاب رسول الله من بعده والتابعون فقال رسول الله فيهم "اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ومن بعدهم أمة محمد .. أمة الخير إلى قيام الساعة، وبذلك أصبحت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الوريث لهذا الإرث العظيم، وأخطر ما يمكن أن تبتلى به الإنسانية هو غياب القدوات فبغيابها يصبح الشرع والدين أشبه ما يكونان بأسطورة تقرأ لا رصيد لها على أرض الواقع.
"إن هذا الشرع لا يحيا إلا أن يختلط بلحم ودم يمشي على الأرض"، ومن الخطر بمكان ان ينتشر الاعتقاد الخاطئ والمقولة المغرضة اننا نفتقد القدوات أو نعدمها، لإن مثل هذه المقولة تبعث في النفوس مفهوماً خاطئاً ألا وهو أن الشرع "الذي ما جاء إلا ليتمم مكارم الأخلاق" غير قابل للتطبيق، وبذلك تجد الإنسانية فسحة وذريعة أن لا تسعى للارتقاء وان لا تنشد صور الكمال، ولكننا إذ أمعنا النظر في الأمر فاننا سنجد أن الذي ضاع منا ليس هو القدوات وانما تعريفنا للقدوات، فتعريفنا الخاطئ للقدوة هو الذي اودى بنا أن نغفل عن رؤيتها في بعضنا البعض.
أما التعريف الخاطىء للقدوة هو ان يجمع الشخص صاحب القدوة كل الخصال في صورها الكاملة، وبهذا التعريف الخاطىء نغفل عن تسليط الضوء على خصلة في شخص ما يكاد يصل فيها إلى صورة الكمال بمجرد تقصيره في ناحية آخرى.
وكما ذكرنا أن الكمال في جميع النواحي لا يأتي إلا لأنبياء الله، وصورتهم الكاملة خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو صح لغيرهم من البشر لكان مع صحابة رسول الله. فهذا سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد قائد المجاهدين خالد بن الوليد، الذي لم يبق في جسده شبر إلاَّ وعليه طابع الشهداء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما خالد سيف من سيوف الله صبه على الكفَّار"، فهو بذلك خير قدوة في هذا المجال، وهو الذي يقول ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب احب إلي من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سريَّة أصبِّح فيها العدو.
ولكنه في نفس الوقت لم يكن قدوة في مجال آخر، وكان يعلم ذلك، فقال عنه قيس بن أبي حازم: سمعت خالداً يقول: منعني الجهاد كثيراً من القراءة .. وكان يخطئ في قصار السور.
* طبيب استشاري ورئيس مجلس إدارة المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659 - okazreaders@imc.med.sa
وتجسدت هذه الفطرة على لسان أقوام طالبوا أنبياءهم بآيات مرئية يشاهدونها بأم أعينهم قبل أن يؤمنوا "إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء"، وبذلك اقتضت حكمة الله أن توافق وسيلة تبليغ الرسالات هذه الفطرة وهو سبحانه اعلم بما خلق فبعث الأنبياء والرسل من البشر يشتركون مع من يدعون إلى الله بخصائصهم وصفاتهم البشرية ليكونوا بذلك القدوة والمثل الناطق المتحرك العامل الذي يريهم تطبيقاً وعملاً على أرض الواقع لصورة البشرية الكاملة تدب وتمشي على الأرض "وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها".
وجاء خاتم الأنبياء والمرسلين سيد البشرية أجمعين سيدنا محمد ليُقدم الصورة الكاملة للبشرية جمعاء إلى قيام الساعة.
فكان صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض، وجاء القرآن يزكيه "وانك لعلى خلق عظيم"، كما قالت أم المؤمنين عائشة: "كان خلقه القرآن". فكان بمثابة المرجع للإنسانية والمعجم المترجم للمعاني العالية السماوية بلغة الأرض الترابية.
وليس أجمل ولا أدق من وصف الرافعي لهذا في مقال بعنوان "الاشراق .. وفلسفة الاسلام" (ويجيء النبي فتجيء الحقيقة الإلهية معه في مثل بلاغة الفن البياني، لتكون أقوى أثراً، وأيسر فهماً، وأبدع تمثيلاً، وليس عليها خلاف من الحِس. وهذا هو الأسلوب الذي يجعل إنساناً واحداً فَنَّ الناس جميعاً، كما تكون البلاغة فنَّ لغة بأكملها، هو الشخص المفسِّر إذا تعسَّف الناس الحياة لا يدرون أين يؤمون منها، ولا كيف يتهدَّون فيها، فتضطرب الملايين من البشرية اضطرابها فيما تنقبض عنه وتتهالك فيه من أطماع الدنيا، ثم يُخْلَقُ رجل واحد ليكون هو التفسير لما مضى وما يأتي، فتظهر به حقائق الآداب العالية في قالب من الإنسان العامل المرئي، أبلغ مما تظهر في قصةٍ متكلمة مروية.
وما الشهادة للنبوة إلا أن تكون نفس النبي أبلغ نفوس قومه، حتى لَهُوَ في طباعه وشمائله طبيعة قائمة وحدها، كأنها الوضع النفساني الدقيق الذي يُنْصَبُ لتصحيح الوضع المغلوط للبشرية في عالم المادة وتنازع البقاء. وكأن الحقيقة السامية في هذا النبي تُنادي الناس: أن قَابلوا على هذا الأصيل وصححوا ما اعترى أنفسكم من غلط الحياة وتحريف الإنسانية) انتهى
وحتى لا ينقطع هذا النوع من الدعوة الفعَّالة المنسجمة والمتوافقة مع الفطره التي خلق الله بها الإنسان استمرت المسيرة فحملها اصحاب رسول الله من بعده والتابعون فقال رسول الله فيهم "اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ومن بعدهم أمة محمد .. أمة الخير إلى قيام الساعة، وبذلك أصبحت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الوريث لهذا الإرث العظيم، وأخطر ما يمكن أن تبتلى به الإنسانية هو غياب القدوات فبغيابها يصبح الشرع والدين أشبه ما يكونان بأسطورة تقرأ لا رصيد لها على أرض الواقع.
"إن هذا الشرع لا يحيا إلا أن يختلط بلحم ودم يمشي على الأرض"، ومن الخطر بمكان ان ينتشر الاعتقاد الخاطئ والمقولة المغرضة اننا نفتقد القدوات أو نعدمها، لإن مثل هذه المقولة تبعث في النفوس مفهوماً خاطئاً ألا وهو أن الشرع "الذي ما جاء إلا ليتمم مكارم الأخلاق" غير قابل للتطبيق، وبذلك تجد الإنسانية فسحة وذريعة أن لا تسعى للارتقاء وان لا تنشد صور الكمال، ولكننا إذ أمعنا النظر في الأمر فاننا سنجد أن الذي ضاع منا ليس هو القدوات وانما تعريفنا للقدوات، فتعريفنا الخاطئ للقدوة هو الذي اودى بنا أن نغفل عن رؤيتها في بعضنا البعض.
أما التعريف الخاطىء للقدوة هو ان يجمع الشخص صاحب القدوة كل الخصال في صورها الكاملة، وبهذا التعريف الخاطىء نغفل عن تسليط الضوء على خصلة في شخص ما يكاد يصل فيها إلى صورة الكمال بمجرد تقصيره في ناحية آخرى.
وكما ذكرنا أن الكمال في جميع النواحي لا يأتي إلا لأنبياء الله، وصورتهم الكاملة خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو صح لغيرهم من البشر لكان مع صحابة رسول الله. فهذا سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد قائد المجاهدين خالد بن الوليد، الذي لم يبق في جسده شبر إلاَّ وعليه طابع الشهداء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما خالد سيف من سيوف الله صبه على الكفَّار"، فهو بذلك خير قدوة في هذا المجال، وهو الذي يقول ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب احب إلي من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سريَّة أصبِّح فيها العدو.
ولكنه في نفس الوقت لم يكن قدوة في مجال آخر، وكان يعلم ذلك، فقال عنه قيس بن أبي حازم: سمعت خالداً يقول: منعني الجهاد كثيراً من القراءة .. وكان يخطئ في قصار السور.
* طبيب استشاري ورئيس مجلس إدارة المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659 - okazreaders@imc.med.sa